اتفاق وقف إطلاق النار في لبنان- نصر للمقاومة وتحديات التطبيق

المؤلف: منير شفيق09.30.2025
اتفاق وقف إطلاق النار في لبنان- نصر للمقاومة وتحديات التطبيق

عندما أُبرم القرار 1701 لوقف نار حرب عام 2006، لم يُظهر بشكل كامل الانتصار الاستراتيجي الذي حققه حزب الله ميدانياً على أرض المعركة، بالرغم من سعي الكيان الإسرائيلي المحموم لوقف إطلاق النار، خاصة بعد الخسائر الفادحة التي تكبدها في وادي الحجير.

السبب الجوهري لعدم عكس القرار 1701 لقوة المقاومة على أرض الواقع، وبالأخص مع التدهور الذي أصاب الجيش الإسرائيلي ورغبة القيادة السياسية بإنهاء الحرب، يعود بالدرجة الأولى إلى الدور الذي لعبته الولايات المتحدة، بالإضافة إلى التركيبة السياسية اللبنانية التي لم تعكس بدورها ميزان القوى العسكري الحقيقي. والجدير بالذكر أن رئاسة الوزراء في ذلك الوقت كانت معارضة للمقاومة.

لقد تضمن القرار بعض القيود والعراقيل، وكان على حزب الله أن يتجاوزها في الواقع العملي عند محاولة تنفيذ القرار، ثم العمل على تثبيت الوضع الذي طُبق فيه القرار على أرض الواقع، بشكل يعكس موازين القوى الحقيقية، وليس فقط ما ورد في بنود القرار.

إن استحضار هذه التجربة التاريخية قد يكون مفيدًا في التعامل مع بعض بنود الاتفاق الأخير الذي تم التوصل إليه في صباح يوم السابع والعشرين من شهر نوفمبر/تشرين الثاني من هذا العام 2024، بل وفي فهمها. فقد تضمن الاتفاق بعض البنود التي لا تعكس ميزان القوى العام، ولا حتى ميزان القوى الميداني في بعض جوانبه، كما يعكس الدور الأميركي-الفرنسي المنحاز بشكل واضح للكيان الإسرائيلي، هذا بالإضافة إلى "ورقة الضمانات الأميركية لتنفيذ القرار" (خارج الاتفاق) التي تهدف إلى حفظ ماء وجه نتنياهو، الذي فشل في تحقيق الأهداف التي أعلنها عند شن العدوان العسكري على حزب الله ولبنان.

كما يعكس الاتفاق النوايا الأمريكية المبيتة تجاه محور المقاومة في المرحلة القادمة، وخاصة في عهد ترامب، الذي ضغط من وراء الكواليس للتوصل إلى اتفاق لوقف الحرب في لبنان.

لذا، فإن قراءة نصوص الاتفاق، وما صدر معه من "تفاهم" أميركي إسرائيلي (ورقة الضمانات) تحسبًا للمرحلة التي تلي الاتفاق، يجب ألا تعتمد فقط على ظاهر النصوص، بل يجب أن تأخذ في الاعتبار أنَّ ما قبل هذا الاتفاق يُعدُّ انتكاسة كبيرة للأهداف التي وضعها نتنياهو لحربه على حزب الله.

وهذا يفسر الانتقادات الشديدة التي وُجهت إلى نتنياهو من قِبل الإسرائيليين بسبب هذا الاتفاق، الذي جسد فشله الذريع في تحقيق الأهداف التي وضعها للعدوان، وما يترتب على ذلك من نتائج سلبية على المستويين: عدم عودة المستوطنين الذين هجروا منازلهم في شمال فلسطين، وفشل توفير الأمن لهم من أي تهديد مستقبلي.

وها هو الاتفاق قد تم توقيعه، وبدأ تنفيذ وقف إطلاق النار، وعاد النازحون اللبنانيون إلى ديارهم، وهم يلوحون بعلامات النصر من نوافذ سياراتهم. فقد فُسِّر الاتفاق، عن حق، بأنه هزيمة للعدوان، وإخفاق لنتنياهو، بغض النظر عما ورد في نصوص الاتفاق، وما حملته التعهدات الأميركية لنتنياهو في حالة تنفيذ الاتفاق.

وبناءً على ذلك، فإن مستقبل الاتفاق قد تحدد منذ اللحظة الأولى، بأنه يعبر عن هزيمة العدوان، وتوقف إطلاق النار، مع استمرار حزب الله في الاحتفاظ بالسيطرة المطلقة على التطبيق العملي للاتفاق، تمامًا كما حدث مع القرار 1701 بعد حرب 2006.

وهذا هو الأمر الطبيعي والمنطقي، في ظل موازين القوى الراهنة، وعلى الأرض اللبنانية، وهذا هو المسار العام الذي ستتخذه الأحداث. وما سيؤول إليه مصير الوضع القائم، والمستقبل في لبنان، وكذلك مسار الصراع في المنطقة، بدءًا من المرحلة التي تلي الاتفاق، الأمر الذي يبرر الموافقة على الاتفاق.

وقبل الخوض في تقدير الموقف لعام 2025، يجب علينا أن نراقب بدقة الاستراتيجية والسياسات التي سيطرحها دونالد ترامب على المستوى العالمي (الصراع مع الصين)، وعلى مستوى الإقليم، وخاصة فيما يتعلق بالصراع مع إيران.

لذلك، وكما حدث مع القرار 1701، مع وجود فروق بين المرحلتين، سيواجه هذا الاتفاق معادلة تطبيق مختلفة عما تنص عليه بنود هذا الاتفاق، الأمر الذي يعني أن الاتفاق سيفتح الباب على مصراعيه أمام الأزمات عند محاولة تطبيقه. وذلك بسبب سعي أميركا من داخل الاتفاق وخارجه (من خلال الالتزام الخاص بينها وبين نتنياهو) إلى تأمين مكاسب لنتنياهو، تلك المكاسب التي لم يتمكن من تحقيقها في ساحة المعركة، ولا يستطيع تحقيقها إذا حاول العودة إلى العدوان.

وذلك بسبب موازين القوى التي لن تكون في صالحه، وبسبب مقاومة خرجت منتصرة من حرب العدوان التي استمرت شهرين، وأجبرت نتنياهو على السعي لوقف إطلاق النار، على الرغم من إرادته. وإلا لما كان هناك أي سبب يجبره على التراجع، سوى نتائج الفشل الذريع في الميدان العسكري.

الأمر الذي يتطلب قراءة هذا الاتفاق على أنه لن يتم تطبيقه بحذافيره، أو بالشكل الذي يريده نتنياهو وأمريكا، وإنما ستكون الغلبة لما ستفرزه معادلة الصراع الناتجة عن موازين القوى المتشكلة على الأرض، وفي الوضع العام للصراع. وذلك ليس في لبنان فحسب، وإنما أيضًا على مستوى المنطقة، الذي تشكل منذ ما بعد حرب طوفان الأقصى في قطاع غزة، وفي المنطقة والعالم.

وفي هذا السياق، يجب قراءة مرحلة تطبيق الاتفاق، مع الأخذ في الاعتبار المرحلة الجديدة القادمة، بعد تولي ترامب رئاسة الولايات المتحدة، وتحديده لأولويات استراتيجيته تجاه الدول الكبرى، مثل الصين وروسيا وأوروبا، وخاصة تجاه إيران ومحور المقاومة، وبالأخص الحرب في مواجهة المقاومة المنتصرة، بإذن الله، في قطاع غزة.

ومن الضروري الانتباه إلى أبعاد القصف الذي شنه الطيران الإسرائيلي على صيدا في 28/11، في اليوم التالي لتنفيذ الاتفاق، بحجة الرد على مخالفة بنود الاتفاق. وقد دعم هذا الاعتداء السافر بأن أمريكا أعلنت عن ذلك وفقًا لـ "ورقة الضمانات"، الأمر الذي يهدد بنسف الاتفاق بهذا الخرق الفاضح.

إن منح الكيان الإسرائيلي الحق في التدخل بهذه الطريقة، يكشف عن طبيعة التفاهم الأميركي الإسرائيلي الخفي، ويجعل الاتفاق على شفير الهاوية، وقابلاً للانهيار حتى قبل وصول ترامب إلى السلطة.

وبذلك يكون الاتفاق الذي صُمِّم في عهد بايدن، يهدف في حقيقة الأمر إلى التصعيد والتأزيم واستمرار الحرب. ومن ثم، لا بد من إعادة النظر في الاتفاق من جذوره، لأن نتنياهو وبايدن يريدانه اتفاقًا يشكل استمرارًا للعدوان.

أما من ناحية أخرى، فإن نتنياهو يكون قد دمر، بيده، هدفه المتمثل في إحداث الفصل بين المقاومتين في غزة ولبنان.

مع العلم أن مثل هذا الانفصال ما كان ليحدث أبدًا، بسبب الطبيعة المبدئية والاستراتيجية للمقاومتين، حتى لو مضى اتفاق وقف العدوان إلى النجاح، كما كان متوقعًا.

وبهذا، من جهة أخرى، يكون لبنان الرسمي (الحكومة والبرلمان) والمقاومة قد حمّلوا بايدن ونتنياهو (أمريكا والكيان الإسرائيلي) المسؤولية الكاملة عن الحرب التي شنت على لبنان، وذلك من خلال تأييدهم للاتفاق. وذلك حين يهددان الاتفاق بمثل هذا القصف الذي يقود إلى عودة إطلاق النار، وإلا فما معنى امتلاك الحق في القصف متى شاءا، أو أوّلا أي موقف أو حدث.

وباختصار، فإن اتفاق وقف إطلاق النار في لبنان يقف على مفترق طرق: إما الحفاظ عليه، وإما العودة إلى الحرب، كما يريد نتنياهو.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة